منتدى بدر الصواف المحامى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى بدر الصواف المحامى


    خطورة منصب القضاء

    بدر الصواف
    بدر الصواف


    المساهمات : 89
    تاريخ التسجيل : 20/04/2010

    خطورة منصب القضاء Empty خطورة منصب القضاء

    مُساهمة  بدر الصواف الثلاثاء 15 يونيو 2010, 10:48 pm

    لما كان العدل دعامة الأمم الراشدة حرص الإسلام على تأكيد أهمية دور القضاء وخطورة موقعه في الأمة الإسلامية قال تعالى ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) النساء 58 وقال صلى الله عليه وسلم ( إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا ) (1) لكن بريق منصب القضاء وعلو قدره جعل النفوس الضعيفة تهفوا إليه لتحوز الشرف والمكانة في الدنيا متغافلة عن عبء القيام بحقه من واجبات العدل فكان في المنصب هلاكها يوم القيامة، فحرص المرء على الشرف بطلب الولايات أشد إهلاكا له من حرصه على المال فإن طلب شرف الدنيا والرفعة فيها والرياسة على الناس والعلو في الأرض أضر على العبد من طلب المال وضرره أعظم والزهد فيه أصعب فإن المال يبذل في طلب الرياسة وطلب الشرف بالولاية خطر جدا وهو في الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها وكرامتها وعزها قال تعالى ( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين )القصص 83 وقل من يحرص على رياسة الدنيا بطلب الولايات فيوفق بل يوكل إلى نفسه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه ( يا عبد الرحمن بن سمرة لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها ) (2) وقال صلى الله عليه وسلم ( إنكم ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (3) وعن أبى موسى الأشعرى رضي الله عنه أن رجلين قالا للنبي صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أمرنا فقال ( إنا لا نولى هذا من سأله ولا من حرص عليه ) (4) من أجل هذا هاب الصالحون منصب القضاء وتبعاته وحرصوا على دفعه عن أنفسهم ، ويروى لنا تاريخ الإسلام في ذلك مواقف مضيئة نذكر منها ما روى من أن عثمان بن عفان عرض على ابن عمر رضي الله عنه القضاء فأبى ولما ألح عليه لقبوله مذكرا إياه بأن أباه كان يقضى قال عبد الله: إن أبى كان يقضى فإذا أشكل عليه شيء سأل النبي صلى الله عليه وسلم وإذا أشكل على النبي صلى الله عليه وسلم سأل جبريل وإني لا أجد من أسأل ، وروى أن الوليد أراد أن يولى يزيد بن مرثد القضاء فبلغ ذلك يزيد فلبس فروة وقلبها فجعل الجلد على ظهره والصوف خارجا وأخذ بيده رغيف خبز وعرقا ( أي عظم عليه لحم ) وخرج بلا رداء ولا قلنسوة ( أي حاسر الرأس ) ولا نعل ولا خف وجعل يمشى في الأسواق ويأكل فقيل للوليد إن يزيد قد اختلط ( أي خرف ) وأخبر بما فعل فتركه الوليد ، وسأل بعضهم وكيعا عن مقدمه هو وابن إدريس وحفص على هارون الرشيد فقال: كان أول من دعا به أنا فقال لي هارون: يا وكيع إن أهل بلدك طلبوا منى قاضيا وسموك فيمن سموا وقد رأيت أن أشركك في أمانتي فقلت يا أمير المؤمنين أنا شيخ كبير وإحدى عيني ذاهبة والأخرى ضعيفة فقال : هارون اللهم غفرا خذ عهدك أيها الرجل وامض فقلت : يا أمير المؤمنين والله لئن كنت صادقا إنه لينبغي أن لا يقبل منى ولئن كنت كاذبا فما ينبغي أن تولى القضاء كذابا ، فقال : اخرج فخرجت ، ودخل ابن إدريس فسمعنا وقع ركبتيه على الأرض حين برك وما سمعناه يسلم إلا سلاما خفيا ، فقال له هارون : أتدرى لما دعوتك ؟ قال لا قال: إن أهل بلدك طلبوا منى قاضيا وإنهم سموك لي فيمن سموا وقد رأيت أن أشركك في أمانتي وأدخلك في صالح ما أدخل فيه من أمر هذه الأمة فخذ عهدك وامض فقال له ابن إدريس : وأنا وددت أنى لم أكن رأيتك فخرج ، ثم دخل حفص فقبل عهده .
    وجمع عدي بن أرطاة بين إياس بن معاوية والقاسم بن محمد وقال إن أمير المؤمنين أمرني أن أولى أحدكما قضاء البصرة فماذا تريان؟ فقال كل منهما عن صاحبه: أنه أولى منه بهذا المنصب وذكر من فضله وعلمه وفقهه ما شاء الله أن يذكر فقال عدي لن تخرجا من مجلسي هذا حتى تحسما هذا الأمر فقال له إياس : أيها الأمير سل عنى وعن القاسم فقيهى العراق الحسن البصري ومحمد بن سيرين فهما أقدر الناس على التمييز بيننا وكان القاسم يزورهما ويزورانه وإياس لا تربطه بهما رابطة فعلم القاسم أن إياسا أراد أن يورطه وأن الأمير إذا استشارهما أشار به دون صاحبه فما كان منه إلا أن التفت إلى الأمير وقال: لا تسأل أحدا عنى ولا عنه - أيها الأمير – فو الله الذي لا إله إلا هو إن إياسا أفقه منى في دين الله وأعلم بالقضاء فإن كنت كاذبا في قسمى هذا فما يحل لك أن توليني القضاء وأنا أقترف الكذب وإن كنت صادقا فلا يجوز لك أن تعدل عن الفاضل إلى المفضول فالتفت إياس إلى الأمير وقال أيها الأمير إنك جئت برجل ودعوته إلى القضاء فأوقفته على شفير جهنم فنجى نفسه منها بيمين كاذبة لا يلبث أن يستغفر الله منها وينجو بنفسه مما يخاف فقال له عدي : إن من يفهم مثل فهمك هذا لجدير بالقضاء حري به ، ثم ولاة قضاء البصرة.

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 19 مايو 2024, 1:35 pm