منتدى بدر الصواف المحامى

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتدى بدر الصواف المحامى


2 مشترك

    الإيجاز فى البيان

    كمال الصفتى
    كمال الصفتى


    المساهمات : 18
    تاريخ التسجيل : 16/05/2010

    الإيجاز فى البيان Empty الإيجاز فى البيان

    مُساهمة  كمال الصفتى الأربعاء 09 يونيو 2010, 2:14 am


    أدب التوقيعات ..

    إنفرد به الأدب العربي

    أجمع الأدباء والنقاد من قدماء ومحدثين على أن خصيصة
    الشعر الأولى هى التلميح لا التوضيح ، والإيجاز لا الإطناب ، وعلى هذا
    الأساس يعد كل كلام موجز شعراً أو قريباً من الشعر ، ولو لم يكن موزوناً
    مقفى .. وتعلق العرب بالإيجاز حملهم على أن يجعلوه السمة الأولى التي يتسم
    بها البلغاء في المنظوم والمنثور على السواء ،

    قيل لجعفر بن يحيى بن خالد البرمكي : ما البلاغة ؟ قال : التقرب من
    المعنى البعيد ، والدلالة بالقليل على الكثير ،

    وقيل لآخر : ما البلاغة
    ؟ قال : حذف الفضول ، وتقريب
    البعيد ،
    وقيل للخليل بن أحمد الفراهيدي
    : ما البلاغة ؟ فقال : ماقرب
    طرفاه ، وبعد منتهاه ،
    وسُئل خالد بن صفوان
    عن البلاغة ، فأجاب : هي
    إصابة المعنى والقصد للحجة ،


    وأدب التوقيعات من ألوان الكتابة التي استخدمت في
    العصر الأموي وزاد اهتمام الكتّاب بها في العصر العباسي هذا اللون المعروف
    بالتوقيعات.
    وقد دعا إلى ذيوعه ، تنوع شؤون الدولة ، وكثرة حاجات الناس ومطالبهم وطبيعة
    المواقف التي تتطلب بثاً سريعاً لبعض الخلفاء والقادة من دقة التفكير
    والتمكن مع ما اجتمع من اللغة ، وقد يكون للأدب الأجنبي وما نقل عنه أثر في
    ذلك ، ولكن للعرب أصالتهم في فن الإيجاز الذي ظهر واضحاً فيما عرف عنهم من
    أمثال وحكم .
    حيث كانت المسائل تعرض على الخلفاء والوزراء وذوي الأمر، فيلمون بما فيها
    في سرعة ووعي ويعلقون عليها تعليقات تجمع مع الإيجاز ، سلامة العبارة ودقة
    الفكرة وقوتها بما يغني عن الإطناب والاسترسال بالشرح ، وهذه التوقيعات
    تجمع بين الحكمة وآثار التجربة مع إعطاء الحلول للمسائل المعروضة بشكل يأخذ
    باللباب وكأنها الدواء الشافي للمشكلة المعروضة جاءت بها وصفة الطبيب
    المختص ، والجراح الماهر الذي يضع مبضعه على ذات الداء ثم يصف لها فيجتث
    الخبيث ويزرع الفلاح ومن ثم يندمل الجرح ويلتئم ، وتحل المسائل المعروضة
    بهذه التوقيعات .

    أمثلة من التوقيعات

    1- شكوت فأشكيناك.

    رفع صاحب خراسان إلى المنصور رسالة ، بدا للخليفة منها أنه أساء في التصرف ،
    فوقع عليها بقوله
    " شكوت فأشكيناك ، وعتبت فأعتبناك ، ثم خرجت على
    العامة ، فتأهب لفراق السلامة ". فالخليفة أبو جعفر المنصور اشتهر عنه سعة الأدب ، والعقل الراجح
    ، وعمق البصيرة ، وحسن السيرة ، وكان يختار حكام الولايات من الدولة
    العباسية ، ممن عرفوا بحصافة الفكر، وفصاحة اللسان ، والأمانة في العمل
    والقدرة في التعامل مع الناس ، فلما جاءه والي خراسان يشتكي الرعية هناك ،
    سمع لشكواه ، وبيان دعواه ، فانتصر له بمعاقبة المخالفين .
    وحين أظهر عتبه على الخليفة بأنه يريد المزيد من القوة والحزم ، وتطاول في
    باعه على عامة الناس ، لم يسمع له الخليفة وبين له سوء حاله ، وعدم قدرته
    على مواصلة الحكم بمنتهى الإيجاز والتوقيع السابق ، ثم بشره بخلعه عن الحكم
    .


    2- طهّر عسكرك من الفساد..

    وكتب إليه عامله بمصر ، يشكو
    من نقصان النيل ، فوقع
    المنصور على الكتاب وقال : " طهّر عسكرك من الفساد ، يُعْطِك
    النيل القياد " .. ومعروف أن مصر تعتمد على النيل في ري
    أراضيها ، وخصب مزروعاتها ، حتى إن فيضان النيل يأتي بالخير العميم ، وري
    الأراضي وجلب الطمي – الغني والصالح للمزروعات - فكون أراضي الدلتا التي
    تعتبر إلى الآن من أخصب بقاع العالم قاطبة ، ربط بين حال الناس وما بهم من
    نعيم ، وبين ما هم عليه من أعمال ، فبين الإسلام " ذلك
    بأن الله لم يكن مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن
    الله سميع عليم
    " الأنفال 53.
    فانحباس الأمطار ، وغلاء الأسعار ، وانتشار المجاعات جميعها امتحان من الله
    وإنذار لهؤلاء الناس بأن يحسنوا أعمالهم قبل أن ينالهم عقاب الله في
    الدنيا والآخرة .. فعندما شكا حاكم مصر نقصان
    مياه النيل ، بادره المنصور على الفور ، قد يكون
    أعمال العساكر السبب في ذلك ، فطلب منه على الفور تطهير العساكر من الفساد
    وإصلاح أعمالهم لانفراج أحوالهم . وربط المنصور
    بين سوء الحال ، ونقصان مياه النيل ، وبين فساد العساكر لذاك الحاكم ،
    وهذا تلميح للحاكم بظلم عساكره وفساد حكمه .

    3- ( ولكم في القصاص حياة
    ) .

    ورفعت إلى المهدي قصة رجل
    حبس في دم فوقع فيها بقوله :
    " ولكم في القصاص حياة " البقرة 179.
    ومع أن هذا التوقيع اقتباس من القرآن الكريم إلا أنه
    اقتباس جاء من المهدي كأنه إقرار لحكم وضعي يتفق مع حكم إلهي . فمن أباح دم
    الناس واستحل حرماتهم ، أباح الله دمه ، واستحق القصاص ، لأن في القصاص
    حياة لمجتمعات الأمة التي تنعم بالأمن والاستقرار ، بل إن هذا الحكم لا
    يدركه إلا أولو الألباب ، وهم أصحاب العقول الكبيرة ، الذين يتدبرون في هذا
    القصاص منع تسرب الجريمة وإفشائها ، وبالتالي فإن هذا القصاص هو حياة
    الآمنين في المجتمعات السلمية .
    فجاء توقيع المهدي – وهو من خلفاء العصر الذهبي
    العباسي - جاء كأنه مصادقة الخليفة على حكم وضعي يتمشى مع حكم إلهي ، فهو
    بمثابة تطبيق لشريعة الله في أرضه .
    كلمات موجزة ولكنها تتضمن معان عميقة ، لا يدركها إلا أصحاب العقول
    الكبيرة.


    4- " خذ العفو وأمر بالمعروف
    وأعرض عن الجاهلين
    " الأعراف 199.

    وبعث إليه عامل أرمينية
    ، يشكو إليه سوء طاعة الرعية ، فوقع إليه بقوله :
    " خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين " فهذا الإيجاز وإن كان اقتباساً من القرآن الكريم ، إلا أنه
    يضع الحلول للمسائل التي شكا منها عامل أرمينية ، وهي باختصار شديد يبين به
    المهدي أن سوء ما شكا به حاكم أرمينيا ، سببه حرفية الحكم ، وحيفه في
    تطبيق النظام ، وعدم المرونة في تسيير دفة الحكم ، وهذا أصبح علماً بذاته ،
    ومهما اجتهد بهذا العلم ، تبقى هناك أمور كأنها قواعد أخلاقية لإدارة
    الشعوب ومنها :
    - العفو عند المقدرة ، فليس المهم المحاسبة على الأخطاء ، ولكن الأهم من
    ذلك ، الوقاية من الوقوع في هذه الأخطاء ، والعفو عن المسيء ، واستئصال
    الإساءة من قلبه ، فلا يعود إليها .
    والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والإعراض عن الجاهلين ، من شيم النفوس
    العزيزة والأخلاق الفاضلة ، والقيم النبيلة – والتي تمثل خلق المسلم -
    وبمثل ذلك تساس الرعية .

    وكلنا نعرف شعرة معاوية
    ابن أبي سفيان التي ما
    انقطعت بينه وبين خصومه ، ساس بلاده بالحلم والروية ، وعفا عند المقدرة ،
    واتسع صدره للأحنف بن قيس ، وأعطى الهدايا ،
    وأعرض عن الجاهلين ، فكسب قلوب العامة والخاصة ، فجاءت سيرته عطرة ، وشاد
    حضارة لا تفنى ، وأرسى قواعد الدين الإسلامي الذي لا يتزعزع ، " المسلم أخو المسلم " . " كلكم
    لآدم وآدم من تراب
    " وجميعها أحاديث صحيحة وردت في الصحيحين .

    5- داو جرحك لا يتسع ..

    ووقع الخليفة الرشيد إلى صاحب
    خراسان
    ، وقد بدا تذمر الناس عليه : داوِ جرحك لا يتسع ، وقد يغني
    التلميح عن التصريح ، فهذا التلميح يطلب به أمير المؤمنين من واليه في
    خراسان ، أن يقوّم ما اعوجّ من حكمه ، قبل أن يؤدي اعوجاجه هذا إلى كسره
    وعزله ، فاستعار الجرح كنابة عن الخلل في طريقه الحكم ، فإن ترك الجرح بدون
    دواء ، تجثم والتهب وتسبب بالتسمم لسائر أعضاء الجسم ، فيهزل ويمرض وربما
    يموت .
    كذلك فإن الحكم يكون بالعدل والتسامح والحزم بدون شدة ، ولين بدون ضعف ،
    فأي خلل بهذا الدستور ، يختل التوازن بهذا الحكم ، فإن اختل توازن الحكم
    اعتلت صحته وبالتالي تتسع دائرة العصيان عليه ، فإذا هي ثورة جامحة ، تتقد
    وتحرق بنيرانها الحاكم ، والأبرياء من الناس .
    هذه وصية أمير ، هي كالدواء لداء إن لم يعالج استفحل وفتك بأهله.

    6- أنبتتهم الطاعة ، وحصدتهم المعصية ..

    وقيلت بحق البرامكة ، وهم
    أسرة ، وصلت إلى أعلى قمة المجد والثراء ، فكان منها الوزراء والحكام
    ورؤساء البلاط ، في عهد الخليفة هارون الرشيد ،
    وأصل هذه الأسرة من بلاد فارس ، استطاعت بدهائها ، وعدل هارون
    ، أن تصل إلى بلاط الرشيد ، وأن تكون الآمرة
    الناهية في تصريف الكثير من أمور الدولة .
    ولما استقر بهم الحال أخذتهم جذوة الحكم ، وثارت في نفوسهم بذور الشر ،
    وتأصلت فيهم نذالة الفرس ، فجاروا في الحكم ، وطمعوا في السلطة ، وظلموا
    الرعية ، وامتدت أيديهم إلى أملاك المسلمين فنهبوه ، واستولوا عليها ، وإلى
    خزانة بيت المال فأفرغوها ، وإلى حضرة أمير المؤمنين فشاركوه السلطة ،
    وطمعوا بالاستيلاء عليها ، فسارع الرشيد إلى
    القضاء على هذه الأسرة ، بعد أن استفحل شرها ، وأيقن بعلاقة هذه الأسرة
    بالمجوسية ، وعبادة النار ونشر الفساد ، فقال جملته المشهورة عنهم " أنبتتهم الطاعة وحصدتهم المعصية " ..
    أي توصلوا إلى المجد بالطاعة وقضي عليهم حين عصوا أوامر الله ورسوله وأولي
    الأمر مصداقاً لقوله تعالى : " ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين " المنافقون 8.
    وقوله تعالى :
    " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا
    الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
    " . النساء 59.

    7- كثر شاكوك .. وقل شاكروك ..

    ووقع الخليفة المأمون – المشهور بالعلم والفصاحة
    - التوقيع السابق في قصة عامل كثرت منه الشكوى ،
    والمأمون بهذا التوقيع يذكر عامله بما بلغه من
    كثرة الشاكين وقلة الراضين عنه ، فإن كثرت الشكوى على الولاة دلت على أنه
    غير كفؤ للولاية ، والأجدر به أن يعتذر عن مواصلة الحكم .
    فكثرة الشكاوي تدل على كثرة المظالم للرعية ، وكما أن المبايعة علامة الرضى
    ، فإن عدم الرضى يدل على عدم مبايعة الناس وموافقتهم لذلك الوالي ، ومع
    كثيرة الشكاوي قل عدد المبايعين والراضين عن ذلك الحاكم ، فجاء القول الفصل
    من أمير المؤمنين " كثر شاكوك .. وقل شاكروك ،
    فإما اعتدلت ، وأما اعتزلت
    " .
    فهذه إشارة من أمير المؤمنين ، الخليفة المأمون
    إلى عامله ، وتحذير له بأن يعتدل ، أي يقيم العدل ، أو عليه أن يعتزل ويترك
    الحكم ، فوضعه أمام اختيارين إما الاعتدال أو الاعتزال ، مصداقاً لقوله
    تعالى : " ومن لم
    يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون
    "
    المائدة 44

    " ومن لم يحكم بما
    أنزل الله فأولئك هم الظالمون
    " المائدة 45
    " ومن لم يحكم بما
    أنزل الله فأولئك هم الفاسقون
    " المائدة 47
    وقوله تعالى : " وأن
    احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما
    أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن
    كثيراً من الناس لفاسقون
    " صدق الله العظيم
    .
    المائدة 49.

    8- القدرة تذهب الحفيظة

    ووقع الخليفة المأمون في كتاب لعمه " إبراهيم بن المهدي " الذي رجع إلى طاعته بعد أن أعلن
    العصيان عليه ، وطمع في ولاية خراسان ، بعد مقتل أبي
    مسلم الخراساني
    ، فخاف أن يلقى مصير أبي مسلم ، إن تمادى في غيه
    وعصيانه ، فكتب إلى ابن أخيه أمير المؤمنين .
    " ومن يتول الله
    ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون
    " المائدة 56.
    ثم أعلن توبته.
    فكتب إليه المأمون " القدرة تذهب الحفيظة "
    والندم جزء من التوبة وبينهما عفو الله "
    .. ثم طلب منه أن يتلو هذه الآية : " فإن تابوا وأقاموا الصلاة ، وآتوا الزكاة ، فإخوانكم في
    الدين ، ونفصل الآيات لقوم يعلمون
    " صدق
    الله العظيم . التوبة 11


    9- " وكان حقاً علينا نصر المؤمنين "

    وقع الخليفة المأمون كتاباً لوزيره الفضل بن سهل ، في قصة متظلم بقوله : " وكان حقاً علينا نصر المؤمنين " الروم

    وهذا الاقتباس من القرآن الكريم يدل على سعة في العلم ،
    والتفقه في الدين .. كما ويدل على أن الخليفة في العصور الإسلامية الذهبية
    ، كان واعياً لكل ما يدور في بلاده ، فلا يترك الحبل على غاربه ، ولا
    يتقوقع داخل قصره ، مهملاً شؤون دولته وتاركاً لبطانته أن تسيد وتميد في
    البلاد متمثلاً بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه " والله
    لو أن بغلة في أرض العراق عثرتْ ، لسئلت عنها أمام الله
    ".

    10- " ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين " .

    إنها اقتباس من القرآن الكريم ، تحكي قصة التحاق النبي يعقوب
    مع أولاده جميعهم إلى ولده يوسف
    مصداقاً لقوله تعالى :
    " فلما دخلوا على يوسف
    آوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين
    " يوسف 99
    وهذه العبارة وإن كانت اقتباساً لآية من القرآن الكريم
    إلا أنها تدل على أن مصر أرض الأمان والسلام والضيافة ، سائلاً المولى
    العلي القدير أن يرد لنا كنانة الله عزيزة قوية لإعلاء الإسلام والمسلمين .


    التعليق الأدبي على هذه التوقيعات


    هذه التوقيعات تعتمد على الإيجاز الذي يتميز بالتركيز وقوة العبارة ،
    وجمال التصوير ، ولطف الإشارة ، وروعة البيان ، وبلاغة التعبير ، وفصاحة
    اللسان ، وأكثر ما يبهر العقل ، بياناً وروعة وجمالاً وفصاحة وبلاغة ، هو
    ما كان مقتبساً من القرآن الكريم .
    وكانت هذه التوقيعات تذيع ويتناقلها الناس ، وكأنها مبادئ أخلاقية تلزم
    وتلهم ، وتعطي العبر والمثل العليا والقيم ، بأجل معانيها ، وأصدق أحاسيسها
    ومشاعرها .
    ومن أجل ذيوعها وسرعة انتشارها وتأثيرها في السامع والقارئ حرص كاتبوها على
    الإجادة فيها ، وتباروا في بلوغ أقصى الغاية منها ، ولاشتهر كثير منهم
    بالبراعة في كتابتها ، وكان من بينهم : أمثال المنصور والمهدي والرشيد
    والمأمون ، وكثير من وزراء الدولة وقادتها .
    ولما كان قوامها الإيجاز مع البراعة والقوة والروعة والبيان والفصاحة ،
    ذاعت في العصر العباسي الأول ولكنها حين مال النثر إلى الأطناب والصنعة
    والإطالة ضعف شأنها ، مع ضعف الخلفاء وسلطانهم .

    ولو رجعنا إلى هذه
    التوقيعات ..

    فإننا نجد أن الجمل فيها تختلف في طريقة الأداء مثل "
    شكوت فأشكيناك " و " أنبتتهم الطاعة وحصدتهم
    المعصية " و " كثر شاكوك وقل شاكروك "

    ففي القسم الأول ترى
    المنصور يخبر عامله بأنه تلقى شكواه وأزال سببها ، والرشيد يعلن رغبته
    بمعاقبة البرامكة ، والمأمون يذكر عامله ما بلغه من كثرة شاكيه ، وقلة
    الراضين عنه ، وهكذا نجد جملة تحمل خبراً من الأخبار وتسمى جملاً خبرية .


    أما في القسم الثاني ،
    فنجد جملتين من نوع آخر فقائلهما ، لم يرد بهما أخباراً ، وإنما يطلب
    منهما شيئاً ، ولهذا تسمى كل منهما جملاً إنشائية ، مثل : إما اعتدلت وإما
    اعتزلت .. وطهر عسكرك من الفساد ، وهكذا وبهذا نرى الكلام قد يكون خبراً أو
    إنشاء ".

    أما ما جاء منه اقتباساً من القرآن الكريم ، فهو إقرار لحكم الله وإذعان
    لطاعته وابتغاء مرضاته ، وأنه الحل الأمثل للمسألة المطروحة " ليس كمثله شيء " في أسلوبه وبلاغته .
    مثل هذا الأدب لا يوجد في لغة غير العربية .
    ومثل هذا الإيجاز الذي نجده في التوقيعات لا يمكن أن يدون بلغة في العالم
    بهذا الجمال والروعة في البيان ، والإيجاز ، وجمال التعبير ، واتساع
    المعاني مثلما دوّن باللغة العربية ، بل إن خاصية تتميز بها هذه اللغة أنها
    لغة القرآن الكريم ، لغة الصون والاستمرار وإلى الأبد ، مهما طال أمد هذه
    الدنيا أو قصر مصداقاً لقوله تعالى :
    " إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " الحجر
    9

    وخلود القرآن الكريم – الذي تكفّله الله - يعني خلود اللغة العربية ، بل
    إنني أجزم يقيناً أنه لا يمكن ترجمته إلى لغة أخرى ، وما ظهر من ترجمات
    للقرآن الكريم هي ترجمات لتفسيرات ومعان تضمنتها الآيات الكريمة والتي
    معانيها مطلقة ، محكمة ، تتسع لعلم الأولين والآخرين ، وأني لأحد في الدنيا
    أن يستوعب علم الأولين والآخرين ؟ سوى رب العالمين .
    " فلا أقسم بالخنس ، الجوار الكنس ، والليل إذا عسعس ،
    والصبح إذا تنفّس
    "
    التكوير 15-18.
    " هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن " البقرة 187.
    أتحدى أي لغة في العالم تستطيع أن تترجم مثل هذه الآيات بالبلاغة والبيان
    والفصاحة والروعة التي جاء بها القرآن الكريم ، الذي نزل بلسان عربي مبين .
    بدر الصواف
    بدر الصواف


    المساهمات : 89
    تاريخ التسجيل : 20/04/2010

    الإيجاز فى البيان Empty رد: الإيجاز فى البيان

    مُساهمة  بدر الصواف الخميس 10 يونيو 2010, 8:00 pm

    وأنا أوجز القول فى أنك دائما تأتينا بالروائع

      الوقت/التاريخ الآن هو الأحد 19 مايو 2024, 1:35 pm